-A +A
نايف الرشدان
في لقاء مع أحد المسؤولين، تم الحوار معه في شأن يتصل بالمعرفة والثقافة، وسئل عن قراءاته ولمن يقرأ، فأجاب بأنه يكتفي بقراءة ما يرد عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، مثل: (تويتر والفيس بوك والواتساب).. وغيرها، فهو يتابع الروابط والبرودكاستات وما يتصل بها، وربما كان السائل المحاور ينتظر منه أن يذكر كتبا أو مراجع أو مجلات محكمة!!
ولا أستغرب في هذا العصر المتماوج أن يهجر الكتاب، وأن يكون البديل وجبة سريعة مفعمة بالإثارة والمتعة والغرابة، ولا شك أن مطاردة القصص وملاحقة الأحداث حتى عن طريق الكتب لا يمت بصلة للقراءة التي ننشد فيها غذاء الروح وتسمين الفكر وتنشيط الذهن، يا سادة، إن استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير عدول عن الناموس الكوني وشطب لجدار الحقيقة وشعب لزجاج الحياة، الاتكاء على المصادر الهشة في الإعلان والإعلام والتثقيف لا يتقدم بكم، بل يؤخركم، فإن المرء لا يذهب بعيدا جدا جدا إلا إذا كان لا يدري أين هو ذاهب!

هذه المنقولات والعربات المتمردة لا تنقل لك الحقائق والمعلومات الموثقة في الغالب، بل هي تنقل لك أرتالا من الأكاذيب والطرائف والأوهام والأخبار الملفقة والأحكام الجاهزة المعلبة والوثائق المضروبة والتعريض بشركات أو أشخاص أو مجموعات لأغراض رخيصة ليست نبيلة قد تكون عن طريق التشفي أو الإساءات أو المراهنات الخاسرة أو حملات الإسقاط الاقتصادية أو تشويه اسم وتزكية آخرين والأهداف غير النبيلة تدلك على ألف طريق للإفساد وألف طريقة للكذب.
خذوا المعرفة والعلم الحقيقي من مصادرهما الموثوقة ومن أماكنهما الثابتة وليس من العربات المتنقلة بين شوارع المتسولين.. لا يمكن أن تبني صرحا قويا على أرض هشة، ولكن عليك أن تهتم بحجر الزاوية وقواعد البناء الصلبة ليكون لديك علم حقيقي ومعرفة فاعلة تسهم في نفع الناس بقليل من الحق، لا أن تسهم في الإضرار بهم وإيذائهم بكثير من التلفيق!
القراءة الفاحصة المتعقلة المتكئة على مصدر متين تمنحك الثقة والجمال والحياة والسمعة الطيبة، ثم إن نقل مقروءاتك السريعة عبر الوسائل السريعة لا يفضي إلى عواقب سليمة، فالتعجل في الأخذ والتعجل في العطاء محوج إلى الحكمة والحنكة والعقل.. ثم إن ما تنقله دون تمحيص وانتقاء من قراءاتك العابرة يؤدي إلى خوض غمار معارك واصطلاء بأوار لم تكن من آهل نارها لولا أن قليلا مما تسمع وتقرأ جدير بالنقل، تذكروا حكمة الحديث النبوي (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ...).